الجوكر و التطهير الانفعالي




التطهير الانفعالي
الفيلم يروي تحول آرثر فليك إلى "الجوكر"، وهو المضطرب نفسياً ، الذي قضى سنوات عديدة من عمره في مصحة للأمراض النفسية والعقلية. علاوة على كونه يعاني من متلازمة "جيل دي توغات" المتمثلة في عدم السيطرة على ضحكاته التي تأتي في وقت غير مبرر، ومع ذلك فإنه يلاحق حلمه بأن يكون "كوميدياً" شهيراً، لكونه على قناعة بأن رسالته في الحياة رسم الضحكة على وجوه الناس، هو المعجب أيضاً بمقدم البرامج "موراي فرانكلين" (روبرت دي نيرو).
نقطة التحول في الفيلم، حين ينصحه أحد زملائه في العمل باقتناء مسدس كي لا يبقى عرضة للركل والضرب والتنمر من الآخرين، وهنا يكتشف مع مسدسه الأول أن العنف قد يكون هو الحل و لا حل سواه.
فيلم "جوكر" 2019 حصد أكثر من نصف مليار دولار خلال اسبوعين من العرض ،دفع الشرطة الأمريكية إلى حالة طوارئ أمام دور العرض تحسبا لاندلاع أعمال عنف و قتل. لماذا هذه المرة  تماهي المتفرج  الأمريكي مع هذه الشخصية العنيفة المضطربة نفسيا ؟ كانت شخصية "جوكر" في الأفلام السابقة او في مجلات الكوميكس الصادرة سنة 1940 شخصية عدوانية مكروه من قبل الجمهور الذي يحي المخلص " بات مان " لماذا هذه المرة أنتجت هوليوود هكذا فيلم دون الالتزام بكود " هايس 1929" الصادر من قبل الجمعية السينماتوغرافية الأمريكية  الذي يمنع تمجيد الشر .
 نعود الى سيكولوجية الجمهور ومدى تعلقها "بالجوكر " حيث افرغ الجوكر غضبه على المدينة و سكنها الفاسدين الظالمين الجشعين لقد انتقم للضعفاء ، للمعلم المظلوم و للفتاة المتحرش بها و للمريض الذي لم يجد فراش فارغ بالمستشفى يقبله.لقد قام بكل ما يريده المتفرج. لقد تحوّل الجوكر إلى الأنا الخاضع لرغبات الهوا المدمرة ،حتى  أصبح مثل الأنا متوازي يتصرف على الشاشة بكل ارياحية بدلا عن الواقع .
من الناحية النفسية تعكس لنا شخصية "الجوكر" صورة ذلك الأنا الذي طالما وقف عاجز أمام ظلم  المجتمع متجرعا مرارته  ومعاناته من التهميش الذي تعرض له بالإضافة إلى الاحتقار الذي جعله لاشيء في المجتمع.
الفيلم صادم بلا شك، فهو يأخذنا إلى مناطق سوداء لا ندركها في أعماقنا، إلى ما هو مكبوت من دوافع غريزية مدمرة حتى يتجلى لنا إنسان الذئب بكل تشوهاته، مستبدلا العواء بتلك الضحكة المخيفة المنبعثة من تحت قناع المهرج.
يكشف لنا قناعه الذي تحول إلى رمز لكل رافضي القمع السياسي، والاجتماعي، والتنمر، والفساد، والجشع، واللاعدالة، وكافة أشكال الاضطهاد، حتى إنه ظهر في المشهد ما قبل الأخير للفيلم وكأنه "المخلّص" .
والخلاص هنا، وفق وجهة نظر كاركتر "الجوكر" لا يتحقق إلا بالانتقام، بل والانتقام العنيف جداً، كالذي تقوم به الشخصية "سايكوباثية" .
"الجوكر " هذه المرة عبر عن الدوافع النفسية للإجرام وكأنه يظهر انتقام من ظلم اقرب الناس إليه وتنمر المجتمع ضده وبهذا لمس بشكل مباشر معاناة الناس فبدل أن يعارضه المتفرج انضم إلى صفه وبرر تصرفاته..
سيكولوجية الجوكر تتأرجح بين السادية و المازوخية...لقد قدم لنا الفيلم نوع من التطهير الانفعالي ....




Comments

Popular posts from this blog

بطاقة قراءة كتاب " تاريخ علم النفس و مدارسه "

السينما و الأمراض العقلية فيلم المعتوه

مراحل تحليل الرائز TAT المنشور 02

البنية النفسية حسب بارجوري

نظرية التعلم البنائية المعرفية لجان بياجيه

اختبار تفهم الموضوع TAT المنشور 01

اختبار الرورشاخ 01

عادل إمام و بلاجيا الأفلام الأجنبية

السيكودراما ؟

تفسير الجريمة عند (أنريكو فيري)