مبادئ تنظيم النفس.

مبادئ التنظيم العقلي

إن التقسيم الذي ندرجه هنا من اجل فهم مبادئ التنظيم العقلي ما هو إلا للتوضيح فقط ، لأن حسب فرويد التماسك الذي تتصف به الحياة النفسية لا يمكن الفصل بينها لأن هذه المبادئ الأساسية  تخدم بعضها البعض و هي ملتحمة مع بعضها و سوف نقتصر على سرد بعضها.

1 مبدأ الثبات

يعتبر مبدأ الثبات مبدئيا رئيسيا في النشاط النفسي فهو يشير إلى نزعة الجهاز النفسي إلى الحفاظ على كمية الإثارة في أدنى مستوى، و على درجة ثابتة من التوتر 05 ] [ ص 9.

فمبدأ الثبات يعمل على إبقاء درجة التوتر في أدنى مستوياتها ، (الاحتفاظ بكمية الإثارة التي يحتويها في أدنى مستوى أو على الأقل يحافظ على ثباتها ما أمكن ، يأتي هذا الثبات من خلال تصريف الطاقة الحاضرة فعليا من ناحية ، و من خلال تجنب ما يمكن أن يزيد كمية الإثارة ، و الدفاع ضد هذه الزيادة من ناحية ثانية 25 ] [ ص 466 .

حتى يتحقق ثبات التوتر في أدنى مستوياته لابد من صرف الطاقة التي من شانها زيادة التوتر ورفعه ، و يجب أيضا تجنب المواقف المثيرة للتوتر، " فلدى الكائن البشري ميل كبير إلى إبقاء توتره الداخلي ثابتا، و يبحث عن سير و آليات نفسية تسعى إلى تفادي أو على الأقل التخفيف من أي توتر جديد.

إذن مبدأ الثبات يعتبر أساسيا في التنظيم العقلي و يحكمه إلى حد ما ويسيره من خلال سعيه للحفاظ على التوتر في صورة ثابتة و من خلال مبدأ الثبات يسعى الجهاز النفسي لإبقاء الاثارات الداخلية ثابتة و هذا تجنبا لتفاقم التوترات التي يمكن أن تخلق صراعا بين أركانه ، و عليه فتفادى التوترات تندرج ضمن مبدأ الثبات بحيث  توظف عدة آليات: كالتجنب ضد الاثارات الخارجية ، إضافة إلى آلية التفريغ التي تهدف إلى صرف الطاقات و الشحنات الداخلية.

2 مبدأ التكـــــرار

إلى جانب مبدأ الثبات هناك مبدأ أخر ثابت في التنظيم العقلي البشري ، وهو أوتوماتكية التكرار أو اضطرار التكرار، حيث يميل الفرد لتكرار هذه التجارب بطريقة لاشعورية بحيث لايشعر الفرد أنها من أحداث الماضي بل هي من حيز الحاضر 88 ] [ ص 23 .

 وترى ن. شرادي" هو حاجة إلى اضطرار التكرار، و لا يتعلق الأمر هنا بمجرد الميل إلى تكرار العادات المكتسبة عن طريق التعلم ، و لكن بالضغط الداخلي الذي يدفع الكائنات البشرية إلى تكرار نفس الوضعيات الصادمة التي تؤلمهم إلى ما لا نهاية ، والتي لا يستطيعون الامتناع عن إحداثها و إثارتها من جديد"  14] [ ص 52.

أما ع.سي موسي فيرى أن مبدأ التكرار » يتخذ طابع عملية نفسية ذات أصول يصعب مقاومتها مما يؤدي بالفرد لإيقاع نفسه في مواقف مؤلمة يكرر عن طريقها تجارب قديمة دون أن يتذكر النموذج الأصلي، بل انه قد يجد تبريرا لذلك في الواقع المعيش.. «   03 ] [ ص 11.

حتى يتجاوز الفرد هذا التكرار الاضطراري يجب أن يتذكر الوضعية الصدمية الأصلية ، و يوظف إمكانياته الدفاعية حتى يتجاوزها و يكف عن معايشتها في كل مناسبة أو حتى بشكل عفوي فالعجز عن تذكر الحادثة أو الوضعية الصادمة و التي يكررها الفرد باستمرار يجعلها تتكرر اخذة أشكالا مختلفة ، فقد تظهر في شكل هلاوس ، انفعالات ، أو أعراض ترتبط بالصدمة .

إذن فالتكرار عبارة عن إعادة لخبرات ماضية عاشها الفرد سواء كانت ايجابية أو سلبية إذ هو يميل لتكرارها بطريقة لا شعورية و كأنها تحدث معه في الوقت الحاضر ، و بهذا تخفف من حدة التوتر في جهازه النفسي.

مبدأ اللذة و الواقع

1 مبدأ اللذة

يعمل مبدأ اللذة على  » تجنب الألم و الحصول على اللذة، على اعتبار أن الألم يرتبط بزيادة الإثارة، و أن اللذة ترتبط بتخفيض هذه الكميات »   25 ] [ ص452  .

 فمبدأ اللذة يسعى لتفادي كل أشكال الانزعاج و التوتر ، و كذلك كل ما قد يثيره إلى جانب تحقيق الإشباع و هو » يعمل في خدمة مبدأ الثبات و يهدف إلى خفض التوتر ، و بذلك فان كل سلوك يكون مصدرا لحالة من التوتر يسعى هذا المبدأ إلى تخفيضه متجنبا الألم ، و هادفا للحصول على اللذة ».

 إذن مبدأ اللذة يهدف لتجنب الألم و الانزعاج لأبعد حد ممكن ،كما يعمل على خفض التوتر و تفادي المواقف المثيرة له، تحقيقا للذة و الإشباع دائما ، فمبدأ اللذة يسعى جاهدا لتحقيق الرغبات و إشباع النزوات ، و الحصول على متطلباته دون أي اكتراث للمبادئ و القيم88 ] [ ص 20.

2 مبدأ الواقع

يختلف مبدأ الواقع في المنظور التكويني مع مبدأ اللذة الذي وضع في صلة معه، فمبدأ الواقع يؤدي فيه المحيط الخارجي دورا مهما في تكوينه باعتباره شكلا معدلا لمبدأ اللذة، فهو يعمل على تأجيل الحصول على اللذة أو الحصول عليها،وفقا لشروط يفرضها العام الخارجي.

و تزامن طرح أدبيات مبدأ الواقع عند فرويد حين تكلم عن وجهة النظر الاقتصادية حيث تتحول الطاقة الحرة إلى طاقة متلازمة( مربوطة )، كما انه يتميز أساسا عن وجهة النظر الموقعية نظام ما قبل الوعي و الوعي أما من وجهة النظر الدينامكية فان التحليل النفسي يحاول إقامة تدخل مبدأ الواقع على نمط معين من الطاقة النزوية التي تخدم أغراض الأنا بصفة خاصة  25 ] [ ص 458

 » يهدف مبدا الواقع لتقييد و ضبط الطاقة الحرة على مستوى الجهاز النفسي و إخضاعها لبعض المبادئ، قد تكون هذه الطاقة الحرة على مستوى اللاشعور (الهو) ، و إخضاعها لبعض المبادئ ، قد تكون هذه الطاقة هي الطاقة النزوية فيضبطها مبدأ الواقع بما يتناسب مع الأنا ، مبدأ الواقع هو الشكل المعدل لمبدأ اللذة يعمل على تأجيل الحصول على اللذة أو الحصول عليها وفقا لشروط يفرضها العالم الخارجي الموضعي» 03] [ ص.10  

إذن مبدأ الواقع يعمل على تعديل مبدأ اللذة وجعله منطقيا و مقبولا فيسمح بتحقيق بعض من متطلبات الهو بشكل معقول و متناسب مع الواقع و بالشكل الذي يتقبله العالم الخارجي ، فهو يعمل ألف حساب لعادات المجتمع ، تقاليده و مبادئه هو يبحث في نفس الوقت على الإشباع بطريقة مقبولة .

تظهر الطاقة المستعملة فيها مقيدة وليست حرة وتصرف بالشكل الذي يتماشى مع العالم الخارجي الموضوعي.أما الرغبة فيمكن تحقيقها آجلا ، فيضطر مبدأ اللذة إلى الانتظار حتى يصبح إشباع رغبات أمرا ممكنا.

نستخلص مما سبق أن مجموع مبادئ التنظيم العقلي، تعمل بصفة مشتركة ومتكاملة من اجل تحقيق هدف مشترك: السيطرة على التوترات المفرطة في شدتها بغية تحقيق التوازن النفسي و التكيف مع الواقع بصفة مقبولة ، ومن اجل الوصول إلى التوازن النفسي يلجا الفرد للتخفيف معاناته وقلقه الناتج عن التوترات و الصراعات النفسية إلى مجموعة من الآليات الدفاعية، سوف نتطرق لها فيما يلي بعد أن نتعرف على الدفاع أولا.